فصل: ذكر عدة حوادث

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر غلبة عبد الله بن معاوية على فارس وقتله

وفي هذه السنة غلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعقر على فارس وكورها وقد تقدم ذكر ظهوره بالكوفة وانهزامه وخروجه من الكوفة نحو المدائن‏.‏

فلما وصل إليها أتاه ناس من أهل الكوفة وغيرها فسار إلى الجبال وغلب عليها وعلى حلوان وقومس وأصبهان والري وخرج إليه عبيد أهل الكوفة وأقام بأصبهان‏.‏

وكان محرب بن موسى مولى بني يشكرعظيم القدر بفارس فجاء إلى دار الإمارة بإصطخر فطرد عامل بن عمر عنها وبايع الناس لعبد الله بن معاوية وخرج محارب إلى كرمان فأغار عليها وانضم إلى محارب قواد من أهل الشام فسار إلى مسلم بن المسيب وهو عامل ابن عمر بشيراز فقتله في سنة ثمان وعشرين ثم خرج محارب إلى اصبهان إلى عبد الله بن معاوية فحوله إلى اصطخر فأقام بها وأتاه الناس بنو هاشم وغيرهم وجبا المال وبعث العمال وكان معه منصور بن جمهوروسليمان بن هشام بن عبد الملك وأتاه شيبان بن عبد العزيز الخارجي على ما تقدم وأتاه أبو جعفر المنصور وأتاه عبد الله وعيسى ابنا علي بن عبد الله بن عباس‏.‏

ولما قدم ابن هبيرة على العراق أرسل نباتة بن حنظلة الكلابي إلى عبد الله ابن معاوية وبلغ سليمان ابن حبيب أن ابن هبيرة استعمل نبلتة على الأهواز فسرح داود بن حاتم فأقام بكرخ دينار يمنع نباتة من الأهواز فقاتله فقتل داود وهرب سليمان من الأهواز إلى سابور وفيها

ثم إن محارب بن موسى اليشكري نافر ابن معاوية وفارقه وجمع جمعًا فأتى سابور فقاتله يزيد بن معاوية أخو عبد الله فانهزم محارب وأتى كرمان فأقام بها حتى قدم محمد بن الأشعث فصار معه ثم نافره فقتله ابن الأشعث وأربعة وعشرين ابنًا له ولم يزل عبد الله بن معاوية باصطخرحتى أتاه ابن ضبارة مع داود بن يزيد بن عمر بن هبيرة وسير ابن هبيرة أيضًا معن بن زائدة من وجه آخر فقاتلهم معن عند مرو شاذان ومعن يقول‏:‏ ليس أمير القوم بالخب الخدع فر من الموت وفي الموت وقع وانهزم ابن معاوية فكف معن عنهم وقتل في المعركة رجل من آل أبي لهب وكان يقال‏:‏ يقتل رجل من بني هاشم بمرو الشاذان وأسروا أسرى كثيرة فقتل ابن ضبارة منهم عدة كثيرة وهرب منصور بن جمهور إلى السند وعبد الرحمن بن يزيد إلى عمان وعمرو بن سهل بن عبد العزيز بن مروان إلى مصر وبعث ببقية الأسرى إلى ابن هبيرة فأطلقهم ومضى ابن معاوية إلى خراسان‏.‏

فسار معن بن زائدة يطلب منصور بن جمهور فلم يدركه فرجع‏.‏

وكان ابن معاوية من الخوارج وغيرهم خلق كثير فأسر منهم أربعون ألفًا فيهم‏:‏ عبد الله بن علب بن عبد الله بن عباس فسبه ابن ضبارة وقال له‏:‏ ما جاء بك إلى ابن معاوية وقد عرفت خلافة لأمير المؤمنين فقال‏:‏ كان علي دين فأتيته‏.‏

فسفع فيه حرب بن قطن الهلالي وقال‏:‏ هو فعاب عبد الله بن معاوية ورمى أصحابه باللواط فسبره ابن ضبارة إلى ابن هبيرة ليخبره أخبار ابن معاوية وسار في طلب عبد الله بن معاوية إلى شيراز فحصره فخرج عبد الله بن معاوية منها هاربًا ومعه أخواه الحسن ويزيد ابنا معاوية وجماعة من أصحابه وسلك المفازة على كومان وقصد خراسان طمعًا في أبي مسلم لأنه يدعو إلى الرضاء من آل محمد وقد استولى على خراسان فوصل إلى نواحي هراة وعليها أبو نصر مالك بن الهيثم الخزاعي فأرسل إلى ابن معاوية يسأله عن قدومه فقال‏:‏ بلغني أنكم تدعون إلى الرضاء من آل محمد فأتيتكم‏.‏

فأرسل إليه مالك‏:‏ انتسب نعرفك‏.‏

فانتسب له فقال‏:‏ أما عبد الله وجعفر فمن أسماء آل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأما معاوية فلا نعرفة في أسمائهم فقال‏:‏ إن جدي كان عند معاوية لما ولد له أبي فطلب إليه أن يسمي إبنه باسمه ففعل فأرسل إليه معاوية بمائة ألف درهم‏.‏

فأرسل إليه مالك‏:‏ لقد اشتريتم الإسم الخبيث بالثمن اليسير ولا نرى لك حقًا فيما تدعو إليه‏.‏

ثم أرسل إلى أبي مسلم يعرفه خبره فأمره بالقبض عليه وعلى من معه فقبض عليهم وحبسهم ثم ورد عليه كتاب أبي مسلم يأمره بإطلاق الحسن ويزيد ابني معاوية وقتل هبد الله بن معاوية فأمر من وضع فراشًا على وجهه فمات فأخرج فصلي عليه ودفن وفبره بهراة معروف يزار رحمه الله‏.‏

وفي هذه السنة قدم أبو حمزة وبلج بن عقبة الأزدي الخارجي من الحج من فبل عبد الله بن يحيى الحضرمي طالب الحق محكمًا للخلاف على مروان بن محمد فبينما الناس بعرفة ما شعروا إلا وقد طلعت عليهم أعلام وعمائم سود على رؤوس الرماح وهم سبعمائة ففزع الناس حين رأوهم وسألوهم عن حالهم فأخبروهم بخلافهم مروان وآل مروان‏.‏

فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ على مكة والمدينة وطلب منهم هدنة فقالوا‏:‏ نحن بحجنا أضن وعليه أشح‏.‏

فصالحهم على أنهم جميعا آمنون بعضهم من بعض حتى ينفر الناس النفر الأخير فوقفوا بعرفة على حدة‏.‏

فدفع بالناس عبد الواحد فنزل بمنى في منزل السلطان ونزل أبو حمزة بقرن الثعالب‏.‏

فأرسل عبد الواحد إلى أبي حمزة الخارجي عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر وعبيد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن في رجال أمثالهم فدخلوا على أبي حمزة وعليه إزار قطن غليظ فتقدمهم إليه عبد الله بن الحسن ومحمد بن عبد الله فنسبهما فانتسبا إليه فعبس في وجههما وأظهر الكراهة لهما ثم سأل عبد الرحمن بن القاسم وعبيد الله بن عمر فانتسبا له فهش إليهما وتبسم في وجوههما وقال‏:‏ والله ما خرجنا إلا لنسير

بسيرة أبويكما‏.‏

فقال له عبد الله بن الحسن‏:‏ والله ما خرجنا لتفضل بين آبائنا ولكن بعثنا إليك الأمير برسالة وهذا ربيعة يخبركما‏.‏

فلما ذكر له ربيعة نقض العهد قال أبو حمزة‏:‏ معاذ الله أن ننقض العهد أو نخيس به لا والله لا أفعل ولو قطعت رقبتي هذه ولكن تنقضي الهدنة بيننا وبينكم‏.‏

فرجعوا إلى عبد الواحد فأبلغوه‏.‏

فلما كان النفر الأول نفر عبد الواحد فيه ووخلى مكة فدخلها أبو حمزة بغير قتال فقال بعضهم في عبد الواحد‏:‏ زار الحجيج عصابة قد خالفوا دين الإله ففر عبد الواحد ترك الحلائل والإمارة هاربًا ومضى يخبط كالبعير الشارد ثم مضى عبد الواحد حتى دخل المدينة فضرب على أهلها البعث وزادهم في العطاء عشرة عشرة واستعمل عليهم عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فخرجوا فلما كانوا بالحرة تلقتهم جزر منحورة فمضوا‏.‏

  ذكر ولاية يوسف بن عبد الرحمن الفهري بالأندلس

وفي هذه السنة توفي ثوابة بن سلامة أمير الأندلس وكانت ولايته سنتين وشهورًا فلما توفي

اختلف الناس فالمضرية أرادت أن يكون الأمير منهم واليمانية أرادت كذلك أن يكون الأمير منهم فبقوا بغير أمير فخاف الصميل الفتنة فأشار بأن يكون الوالي من قريش فرضوا كلهم بذلك فاختار لهم يوسف بن عبد الرحمن الفهري وكان يومئذ بإلبيرة فكتبوا إليه بما اجتمع عليه الناس من تأميره فامتنع‏.‏

فقالوا له‏:‏ إن لم تفعل وقعت الفتنة ويكون إثم ذلك عليك‏.‏

فأجاب حينئذ وسار إلى قرطبة فدخلها وأطاعه الناس‏.‏

فلما انتهى إلى أبي الخطار موت ثوابة وولاية يوسف فقال‏:‏ إنما أراد الصميل أن يصير الأمر إلى مضر وسعى في الناس حتى ثارت الفتنة بين اليمن ومضر‏.‏

فلما رأى يوسف ذلك فارق قصر الإمارة بقرطبة وعاد إلى منزله وسال أبو الخطار إلى شقندة فاجتمعت إليه اليمانية واجتمعت المضرية إلى الصميل وتزاحفوا واقتتلوا أيامًا كثيرة قتالًا لم يكن بالأتدلس أعظم منه ثم أجلت الحرب عن هزيمة اليمانية ومضى أبو الخطار منهزمًا فاستتر في رحى كانت للصميل فدل عليه فأخذه الصميل وقتله ورجع يوسف بن عبد الرحمن إاى القصر وازجاد الصميل شرفًا وكان اسم الإمارة ليوسفوالحكم إلى الصميل‏.‏

ثم خرج على يوسف بن عبد الرحمن ابن علقمة اللخمي بمدينة أربونة فلم يلبث إلا قليلًا حتى قتل وحمل رأسه إلى يوسف‏.‏

وخرج عليه عذره المعروف بالذمي فإنما قيل له ذلك لأنه استعان بأهل الذمة فوجه إليه بوسف عامر بن عمرو وهو الذي تنسب إليه مفبرة عامر من أبواب قرطبة فلم يظفر به وعاد مفلولًا فسار إليه يوسف بن عبد الرحمن فقاتله فقتله واستباح عسكره‏.‏

وقد وردت هذه الحادثة من حهة أخرى وفيها بعض الخلاف وسنذكرهاسنة تسع وثلاثين ومائة عند دخول عبد الرحمن الأموي الأندلس‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وحج بالناس عبد الواحد وهو كان العامل على مكة والمدينة والطائف‏.‏

وكان على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة وعلى قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي وعلى البصرة عباد بن منصور وكان على خراسان نصر بن سيار والفتنة بها‏.‏

وفيها مات سالم أبو نصر‏.‏

وفيها مات يحيى بن يعمر العدوي بخراسان وكان قد تعلم النحو من أبي الأسود الدؤلي وكان من فصحاء التابعين‏.‏

وفيها مات أبو الزناد بن عبد الله بن ذكوان‏.‏

وفيها مات وهب بن كيسان‏.‏

ويحيى بن أبي كثير اليمامي أبو نصر‏.‏

وسعيد بن أبي صالح‏.‏

وأبي اسحاق الشيباني‏.‏

والحارث بن عبد الرحمن‏.‏

ورقبة بن مصقلة الكوفي‏.‏

ومنصور بن زادان مولى عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي وشهد جنازته المسلمون واليهود والنصارى والمجوش لإتفاقهم على صلاحه وقيل‏:‏ مات سنة إحدى وثلاثين‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاثين ومائة

  ذكر دخول أبي مسلم مرو والبيعة بها

وفي هذه السنة دخل أبو مسلم مرو في ربيع الآخر وقيل في جمادى الأولى‏.‏

وكان السبب في ذلك في اتفاق ابن الكرماني معه‏.‏

إن ابن الكرماني ومن معه وسائر القبائل بخراسان لما عاقدوا نصرًا على أبي مسلم غظم عليه وجمع أصحابه لحربهم فكان سليمان بن كثير بإزاء ابن الكرماني فقال له سليمان‏:‏ إن أبا مسلم يقول لك‏:‏ أما تأنف من مصالحة نصر وقد قتل بالأمس أباك وصلبه وما كنت أحسبك تجامع نصرًا في مسجد تصليان فيه‏!‏ فأحفظه هذا الكلام فرجع عن رأيه وانتقض صلح العرب‏.‏

فلما انتقض صلحهم بعث نصر إلى أبي مسلم يلتمس منه أن يدخل مع مضر وبعث أصحاب ابن الكرماني وهم ربيعة واليمن إلى أبي مسلم بمثل ذلك فراسلوه بذلك أيامًا فأمرهم أبو مسلم أن يقدم عليه وفد الفريقين حتى يختار أحدهما ففعلوا وأمر أبو مسلم الشيعة أن تختار ربيعة

فقدم الوفدان فجلس أبو مسلم ولأجلسهم وجمع عنده من الشيعة سبعين رجلًا فقال لهم ليختاروا أحد الفريقين‏.‏

فقام سليمان بن كثير من الشيعة فتكلم وكان خطيبًا مفوهًا فاختارابن الكرماني وأصحابه ثم قام أبو منصور طلحة ابن زريق النقيب فاختارهم أيضًا ثم قام مرثد بن شقيق السلمي فقال‏:‏ إن مضر قتلة آل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأعوان بني أمية وشيعة مروان الجعدي وعماله ودماؤنا في أعناقهم وأموالنا في أيديهم ونصر بن سيار عامل مروان يتعد أموره ويدعو له على منبره ويسميه أمير المؤمنين ونحن نبرأ إلى الله عز وجل من أن يكون نصر على هدىً وقد اخترنا علي بن الكرماني وأصحابه‏.‏

فقال السبعون‏:‏ القول ما مرثد بن شفيق‏.‏

فنهض وفد وقد نصر عليهم الكآبة والذلة ورجع وفد ابن الكرماني منصورين‏.‏

ورجع أبو مسلم من آلين إلى الماخوان وأمر الشيعة أن يبنوا المساكن فقد أغناهم الله من اجتماع كلمة العرب عليهم‏.‏

ثم أرسل إلى أبي مسلم علي بن الكرماني ليدخل مدينة مرو من ناحيته وليدخل هو وعشيرته من الناحية الأخرى فأرسل إليه أبو مسلم‏:‏ إني لست آمن أن تجتمع يدك ويد نصر على محاربتي ولكن ادخل أنت وأنشب الحرب مع أصحاب نصر‏.‏

فدخل ابن الكرماني فأنشب الحرب وبعث أبو مسلم شبل بن طهمان النقيب في خيل

فدخلوها ونزل شبل بقصر بخاراخذاه وبعث إلى أبي مسلم ليدخل إليهم فسار من الماخوان وعلى مقدمته أسيد بن عبد الله الخزاعي وعلى ميمنته مالك بن الهيثم الخزاعي وعلى ميسرته القاسم بن مجاشع التميمي‏.‏

فدخل مرو والفريقان يقتتلان فأمرهما بالكف وهو يتلو من كتاب الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ودخل المدينة على حين غفلةٍ من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 15‏]‏‏.‏ الآية‏.‏

ومضى أبو مسلم إلى قصر الإمارة وأرسل إلى الفريقين أن كفوا ولينصرف كل فريق إلى عسكره ففعلوا وصفت مرو لأبي مسلم فأمر بأخذ البيعة من الجند وكان الذي يأخذها أبو منصور طلحة بن رزيق وكان أحد النقباء عالمًا بحجج الهاشمية ومعايب الأموية‏.‏

وكان النقباء اثنني عشر رجلًا اختارهم محمد بن علي من السبعين الذين كانوا استجابوا له حين بعث رسوله إى خراسان سنة ثلاث ومائة أو أربع ومائة ووصف له من العدل صفة وكان منهم من خزاعة‏:‏ سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وزياد بن صالح وطلحة بن زريق وعمرو بن أعين ومن طيء‏:‏ قحطبة بن شبيب بن خالد ابن معدان ومن تميم‏:‏ موسى بن كعب أبو عيينة ولاهز بن قريط والقاسم ابن مجاشع وأسلم بن سلام ومن بكر بن وائل‏:‏ أبو داود بن إبراهيم الشيباني وأبو علي الهروي ويقال شبل بن طهمان مكان عمرو بن أعين وعيسى بن كعب وأبو النجم إسماعيل بن عمران مكان أبي علي الهروي وهو ختن أبي مسلم ولم يكن في النقباء أحد والده حتى غير أبي منصور طلحة ابنرريق بن سعد وهو أبو زينب الخزاعي وكان قد شهد حرب ابن الأشعث وصحب المهلب وغزامة‏.‏

وكان أبو مسلم يشاوره في الأمور ويسأله عنها وعما شهد من الحروب‏.‏

وكانت البيعة‏:‏ أبا يعكم على كتاب الله وسنة رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والطاعة للرضا من أهل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليكم بذلك عهد الله وميثاقه والطلاق والعتاق والمشي إلى بيت الله الحرام وعلى أن لا تسألوا رزقًا ولا طعمًا حتى يبتدئكم به ولا تكم‏.‏

رزيق بتقديم الراء على الزاي‏.‏

  ذكر هرب نصر بن سيار من مرو

ثم أرسل أبو مسلم لاهز بن قريظ في جماعة إلى نصر بن سيار يدعوه إلى كتاب الله عز وجل والرضاء من آل محمد فلما رأى ما جاءه من اليمانية والربيعية والعجم وأنه لا طاقة له بهم أظهر قبول ما أتاه به وأنه يأتيه ويبايعه وجعل يرشيهم لما هم من الغدر والهرب إلى أن أمسوا وأمر أصحابه أن يخرجوا من ليلتهم إلى مكان يأمنون فيه فقال له سالم بن احوز‏:‏ لا يتهيأ لنا الخروج فلما كان الغد عبأ مسلم أصحابه وكتائبه إلى بعد الظهر وأعاد إلى نصر لاهز بن قريط وجماعة معه فدخلوا على نصر فقال‏:‏ ما أسرع ما عدتم‏!‏ فقال له لاهز بن قريط‏:‏ لا بد لك من ذلك‏.‏

فقال نصر‏:‏ إذا كان لابد من ذلك فإني أتوضأ وأخرج إليه وأرسل إلى أبي مسلم فغن كان هذا رأيه وأمره أتيته وأتهيأ إلى أن يجيء رسولي‏.‏

فقام نصر فلما قام قرأ لاهز بن قريظ‏:‏ ‏{‏إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 20‏]‏‏.‏

فدخل نصر منزله وأعلمهم أنه ينتظر انصراف رسوله من عند أبي مسلم‏.‏

فلما جنه الليل خرج من خلف حجرته ومعه تميم ابنه والحكم بن نميلة النميري وامرأته المزبانة وانطلقوا هرابًا فلما استبطأ لاهز وأصحابه دخلوا منزله فوجدوه قد هرب‏.‏

فلما بلغ ذلك أبا مسلم سار إلى معسكر نصر وأخذ ثقات أصحابه وصناديدهم فكتفهم وكان فيهم سالم بن أحوز صاحب شرطة نصر والبختري كاتبه وابنان له ويونس بن عبدويه وحمد بن قطن ومجاهد بن يحيى بن حضين وغيرهم فاستوثق منهم بالحدي وكانوا في الحبس عنده وسار أبو سملم وابن الكماني في طلب نصر ليلتهما فأدركا امرأته قد خلفها وسار فرجع أو مسلم وابن الكرماني إلى مرو وسار نصر‏:‏ ما الذي ارتاب به نصر حتى هرب قالوا‏:‏ لا ندري‏.‏

قال‏:‏ فهل تكلم أحد منكم بشيء قالوا تلا لاهز هذه الآية‏:‏ إن الملأ يأتمرون بك‏.‏

قال‏:‏ واستشار أبو مسلم أبا طلحة في أصحاب نصر فقال‏:‏ اجعل سوطك السيف وسجنك القبر‏.‏

فقتلهم أبو مسلم وكان عدتهم أربعة وعشرين رجلًا‏.‏

وأما نصر فإنه سار من سرخس إلى طوس فأقام بها خمسة عشر يومًا وبسرخس يومًا ثم سار إلى نيسابور فأقام بها ودخل ابن الكرماني مرو مع أبي مسلم وتابعه على رأي وعاقده عليه يحيى بن حضين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المعجمة وآخره نون‏.‏

  ذكر قتل شيبان الحروري

وفي هذه السنة قتل شيبان بن سلمة الحروري‏.‏

وكان سبب قتله أنه كان هو وعلي بن الكرماني مجتمعين على قتال نصر لمخالفة شيبان نصرًا لأنه من عمال مروان وشيبان يرى رأي الخوارج وخالفة ابن الكرماني نصرًا لأن نصرًا قتل أباه الكرماني وأن نصرًا مضري وابن الكرماني يماني وبين الفريقين من العصبية ما هو مشهور فلما صالح ابن الكرماني أبا مسلم على ما تقدم وفارق شيبان تنحى شيبان عن مرو إذ علم أنه لا يقوى لحربهما وقد هرب نصر إلى سرخس‏.‏

ولما استقام الأمر لأبي مسلم أرسل إلى شيبان يدعوه إلى البيعة فقال شيبان‏:‏ أنا أدعوك إلى بيعتي‏.‏

فأرسل إليه أبو مسلم‏:‏ إن لم تدخل في أمرنا فارتحل عن منزلك الذي أنت به‏.‏

فأرسل شيبان إلى ابن الكرماني يستنصره فأبى فسار شيبان إلى سرخس واجتمع إله جمع كثير من بكر بن وائل فأرسل إليه أبو مسلم تسعة من الأزد يدعوه ويسأله أن يكف فأخذ الرسل فسحبنهم‏.‏

فكتب أبو مسلم إلى بسام بن إبرايهم مولى بني ليث بأبيورد يأمره أن يسير إلى سيبان فيقاتله فسار إليه فقاتله فانهزم شيبان واتبعه بسام حتى دخل المدينة فقتل شيبان وعدة من بكر بن وائل‏.‏

فقيل لأيب مسلم‏:‏ إن بسامًا ارتد ثانيةً وهويقتل البريء السقيم فاستقدمه قدم عليه واستخلف على عسكره رجلًا‏.‏

فلما قتل شيبان مر رجل من بكر بن وائل برسل أبي ملم فقتلهم‏.‏

وقيل‏:‏ إن أبا مسلم وجه إلى سشيبان عسكرًا من عنده عليهم خزيمة بن خازم وبسام بن إبراهيم‏.‏ذكر قتل ابني الكرماني وفي هذه السنة قتل أبو مسلم عليًا وعثمان ابني الكرماني‏.‏

وكان سبب ذلك أن أبا مسلم كان وجه موسى بن كعب إلى أبيورد فافتتحها وكتب إلى أبي مسلم بذلك ووجه أبا داود إلى بلخ وبها زياد بن عبد الرحمن القشيري فلما بلغه قصد أبي دواد بلخ خرج في أهل بلخ وترمذ وغيرهما من كور طخارستان إلى الجوزجان فلما دنا أبو داودمنهم انصرفوا منهزمين إلى ترمذ ودخل أبو داود مدينة بلخ فكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه ووجه مكانه يحيى بن نعيم أبا الميلاء على بلخ فلما قدم يحيى مدينة بلخ كاتبه زياد بن عبد الرحمن أن يرجع وتصير أيديهم واحدة فأجابه فرجع زياد ومسلم بن عبد الرحمن بن مسلم الباهلي وعيسى بن زرعة السلمي وأهل بلخ وترمذ وملوكطخارستنا ما وراء النهر ودونه فنزلوا على فرسخ من بلخ وخرج إليهم يحيى بن نعيم بمن معه فصارت كلمتهم واحدة مضر وربيعة واليمن ومن معهم من العجم على قتال المسودة وجعلوا الولاية عليهم لمقاتل بن حيان النبطي كراهة أن يكون من واحد من الفرق الثلاثة‏.‏

وأمر أبو مسلم أبا داود بالعود فاقبل بمن معه حتى اجتمعوا على نهر السرجتان وكان زياد وأصحابه قد وجهوا أبا سعيد اقرشي مسلحة لئلا يأتيهم أصحاب أبي داود من خلفهم وكانت أعلام أبي داود سودًا فلما اقتتل أبو داود وزياد وأصحابهما امر أبو سعيد أصحبه أن يأتوا زيادًا وأصحابه فأتوهم من خلفهم فلما رأى زياد ومن معه أعلام أبي سعيجد وراياته سودًا ظنوه كمينًا لأبي داود فانهزموا وتبعهم أو داود فوقع عامة أصحاب زياد في نهر السرجنان وقتل عامة رجالهم المتخلفين ونزل أبو داود معسكرهم وحوى ما فيه‏.‏

ومضى زياد ويحيى ومن معهما إى ترمذ واستصفى أبو داود أموال من قتل ومن هرب واستقامت له بلخ‏.‏

وكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه ووجه النضر بن صبيح المري على بلخ‏.‏

وقدم أبو داود على أبي مسلم واتفقا على أن يفرقا بين علي وعثمان ابني الكرماني فبعث أبو مسلم عثمان عاملاُ على بلخ فلمكا قدمها استخلف الفرافصة بن ظهير العبسي على بلخ‏.‏

وأقبلت المضريه من ترمذ عليهم مسلم بن عبد الرحمن بالباهلي فالتقوا هم وأصحاب عثمان فاقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم أصحاب عثمان وغلب مسلم على بلخ وبلغ عثمان والنضر بن صبيح الخبر وهما بمرو الروذ فأقبلا نحوهم فهرب أصحاب عبد الرحمن من ليلتهم فلم يمعن النضر في طلبهم رجاء أن يفوتوا ولقيهم أصحاب عثمان فاقتتلوا قتالًا شديدًا ولم يكن النضر معهم فانهزم أصحاب عثمان وقتل منهم خلق كثير‏.‏

ورجع أبو داود من مرو إلى بلخ وسار أبو مسلم ومعه علي بن الكرماني إلى نيسابور واتفق رأي أبي مسلم ورأي أبي داود على أن يقتل أبو مسلم عليًا وقتل أبو داود عثمان فملا قدم أو داود بلخ بعث عثمان عاململًا على الجبل فيمن معه من أهل مرو فلما خرج من بلخ تبعه أبو داود فأخذه وأصحابه فحبسهم جميعًا ثم ضرب أعناقهم صبرًا وقتل أبو مسلم في ذلك اليوم علي بن الكرماني وقد كان أبو مسلم أمره أن يسمي له خاصته ليوليهم ويأمر لهم بجوائز وكسورات فسماهم له فقتلهم جميعًا‏.‏

  ذكر قدوم قحطبة إلى نيسابور

لما قتل شيبان الخارجي وابنا الكرماني على ما تقدم وهرب نصر بن سيار من مرو وغلب أبو مسلم على خراسان وبعث العمال على البلاد فاستعمل سباغ بن النعمان الأزدي على سمر قند وأبا داود خالد بن إبراهيم على طخارستان ومحمد بن الأشعث على الطبسين وجعل مالك بن اليثم على شرطه ووجه قحطبة إلى طوس ومعه عدة من القواد منهم‏:‏ أبو عون عبد الملك بن يزيد خالد بن برمك وعثمان بن نهيك وخازم ابن خزيمة وغيرهم فلقي قطبة من بطوس فهزمهم وكان من مات منهم في الزحام أكثر ممن قتل فبلغ عدة القتلى بضعة عشر ألفًا‏.‏

ووجه أبو مسلم القاسم بن مجاشع إلى نيسابور على طريق المحجة وكتب إلى قحطبة يأمره بقتال تميم بن نصر بن سيار والنابئ بن سويد لجأ إلهما من أهل خاسان وكان أصحاب شيبان بن سلمة الخارجي قد لحقوا بنصر ووجه أبو مسلم علي بن معقل في عشرة آلاف رجل إلى تمسم بن نصر وأمره أن يكون مع قحطبة واسر قحطبة إلى السوذقان وهو معسكر تميم بن نصر والنابئ وقد عبأ أصحابه وزحف إليهم فدعاهم إلى ككتاب الله عز وجل وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلى الرضاء من آل محمد فلم يجيبوه فقاتلهم قتالًا شديدًا فقتل تميم بن نصر في المعركة وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة واستبيح عسكرهم وكان عدة من معه ثلاثين ألفًا وهرب النابئ ومن معه وبلغ الخبر نصر بن سيار بنيسابور بقتل ابنه‏.‏

ولما استولى قحطبة على عسكرهم سير ألى خالد بن برمك ما قبض فيه وسار هو إلى نيسابور وبلغ ذلك نصر بن سيار فهرب منها فيمن معه فنزل قومس وتفرق عنه أصحابه فسار إلى نباتة بن حنظلة بجرجان وقدم قحطبة نيسابور بجنوده فأقام بها رمضان وشوال‏.‏

ذكر قتل نباته بن حنظلة وفي هذه السنة قتل نباتة بن حنظلة عامل يزيد بن هبيرة على جرجان وكان يزيد بن هبيرة بعثه إلى نصر فأتى فارس وأصبهان ثم سار إلى الري ومضى إلى جرجان وكان نصر بقومس على ما تقدم فقيل له‏:‏ إن قومس لا تحملنا فسار إلى جرجان فنزلها مع نباتة وخندقوا عليهم‏.‏

واقبل قحطبة إلى جرجان في ذي القعدة فقال قحطبة‏:‏ يا أهل خراسان أتدرون إلى من تسيرون ومن تقاتلون إنما تقتلون بقيه قوم حرقوا بيت الله تعالى‏!‏ وكان الحسن بن قحطبة على مقدمة أبيه فوجه جمعًا إلى مسلحة نباتة وعليها رجل يقال له ذويب فبيتوهم فقتلوا ذؤيبًا وسبعين رجلًا من أصحابه فرجعوا إلى الحسن‏.‏

وقدم قحطبة فنزل بإزاء نباتة وأهل الشام في عدة لم ير الناس مثلها فلما رآهم أهل خراسان هابوهم حتى تكلموا بذلك وأظهروه فبلغ قحطبة قولهم فقام فيهم فقال‏:‏ يا أهل خراسان هابوهم حتى تكلموا بذلك وأظهروه فبلغ قحطبة قولهم فقام فيهم فقال‏:‏ يا أهل خراسان هذه البلاد كانت لآبائكم وكانوا ينصرون على عدوهم لعلهم وحسن سيرتهم حتى بدلوا وظلموا فسخط الله عز وجل عليهم فانتزع سالكانهم وسلط عليهم أذل أمة كانت في الأرض عندهم فغلبوهم على بلادهم وكانوا بذلك يحكمون بالعدل ويوفون بالعهد ونصرون المظلوم ثم بدلوا وغيروا وجاروا في الحكم وأخافوا أهل البر والتقوى من عترة رسول الله فسلطكم عليهم لنتقم منهم بكم لتكونوا أشد عقوبة لأنكم طلبتموهم بالثأر وعقد عهد إلي الإمام أنكم تقلقونمهم في مثل هذه العدة فينصركم الله عز وجل عليهم فتهزمونهم وتقتلونهم‏.‏

فالتقوا في مستهل ذي الحجة سنة ثلاثين ومائة يوم الجمعة فقال لهم قحطبة قبل التال‏:‏ إن الإمام أخبرنا أنكم تنصرون على عدوكم هذا اليوم من هذا الشهر وكان على ميمنته ابنه الحسن فاقتتلوا قتالًا شديدًا فقتل بناتة وانهزم أهل الشام فقتل منهم عشرة آلاف وبعث إلى أيب مسلم برأس نباتة وابنه حية‏.‏

  ذكر وقعة أبي حمزة الخارجي بقديد

في هذه السنة لسبع بقين من صفر كانت الوقعة بقديد بين أهل المدينة وأبي حمزة الخارجي‏.‏

قد ذكرنا أن عبد الواحد بن سليمان ضرب البعث على أهل المدينة واستعمل عليهم عبد العزيز بن عبد الله فخرجوا فلما كانوا بالحرة لقيتهم جزر منحورة فتقدموا فلما كانوا بالعقيق تعلق لواؤهم بسمرة فانكسر الرمح فتشاءم الناس بالخروج وأتاهم رسل أبي حمزة يقولون‏:‏ إننا والله مالنا بقتالكم حاجة دعونا نمض إلى عونا‏.‏

فابى أهل المدينة ولم يجيبوه إلى ذلك وساروا حتى نزلوا قديدًا وكانوا مترفين ليسوا بأصحاب حرب فلم يشعروا إلا وقد خرج عليهم أصحاب أبي حمزة من الفضاض فقتلوهم وكانت المقتلة بقريش وفيهم كانت الشوكة فأصيب منهم عدد كثير وقدم المنهزمون المدينة فكانت المرأة تقيم النوائح على حميمها ومعها النساء فما تبرح النساء حتى تأتيهن الأخبار عن رجالهن فيخرجن امرأة امرأة كل واحدة منهن تذهب لقتل رجلها فلا تبقى عندها امرأة لكثرة من قتل‏.‏